Skip to content

الأخبار المغلوطة في وقت الأزمات: تأثير مضاعف فكيف نتجنبه؟

[:ar]

أسيا عبد الكريم – منصة الفاحص – العراق

أكثر من خمسة عشر ألف شخص وقعوا ضحية لخبر كاذب في شباط/فبراير 2022، حين نشرت صفحة على موقع فيسبوك خبراً عن وجود قصف يستهدف معسكرات تركية شمال العراق. تزامن نشر الخبر مع تزايد الهجمات في تلك المناطق، وسط حالة من الترقب من قبل الجمهور حول رد فعل الحكومة العراقية على ذلك وارتفاع المخاوف من تحوّل تلك المنطقة إلى ساحة صراع طويل الأمد.

تمّ نشر الخبر مع صورة تقول إنها من مناطق القصف وتظهر دماراً كبيراً في المكان، الأمر الذي دفع بالكثيرين لتصديق الخبر مباشرة دون أي تشكيك ومشاركته بين العراقيين/ات بصورة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

قام فريق #الفاحص بتدقيق الخبر وتبيّن أنه صحيح، لكن الصورة المستخدمة مع الخبر مضللة ولا علاقة لها بالعراق. تعود الصورة التي انتشرت على نطاق واسع إلى قصف إسرائيلي على دمشق في 24 شباط/فبراير 2020 أي قبل سنتين تقريباً من نشر الخبر. كما كشف الفريق أن هذه الصورة تُستخدم بشكل متكرر مع أخبار مشابهة. مع ذلك، تحظى هذه الصورة بتفاعل كبير في كل مرة تنشر فيها ربما لأن الكثيرين منا يعدون الصور نوعاً من الأدلة الدامغة لإثبات الحوادث.

مؤخراً، زاد انتشار الصور المضللة مع الأخبار. فعلى سبيل المثال، انتشر فيديو لمعركة بين مقاتلين من حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. ادعى الناشرون أنه لاشتباكات حديثة في شمال العراق وتفاعل معها أكثر من 15 ألف شخص قاموا بإعادة نشره. لا يخص الفيديو أي معارك جديدة، بل يعود إلى عام 2018 لكن تم توظيفه مجددًا بسبب حساسية هذه القضية وترقب الناس لأي جديد يخص الهجمات التي يشنها الجيش التركي بشكل متواتر وحاد هذا العام.

كما انتشر فيديو يزعم أنه “لنزاع عشائري بالأسلحة الثقيلة في قضاء سيد دخيل جنوب مدينة الناصرية”، وهو أيضًا موضوع شديد الحساسية في العراق، وتفاعل معه أكثر من 20 ألف شخص. بعد التدقيق، تبين أن المقطع قديم ونشر سابقًا في 2021 وهو في مدينة البصرة ولا علاقة له بالناصرية والهدف فقط هو إثارة نعرات ونزاعات مجدداً بين العراقيين.

ولأنه لا يمكن تجاهل دور مواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا اليوم، فإنه يتوجب أيضًا الاعتراف أنها تحوّلت إلى واحدة من أسهل الوسائل لنشر المعلومات الكاذبة والمضللة خاصة في ظل إمكانية إرفاق هذه الأخبار بصور وفيديوهات تجذب الكثيرين وتزيد من فرص تصديقها وانتشارها. 

يلعب انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة في أوقات الحروب والأزمات دوراً كبيراً في توسيع دائرة الحرب النفسية ونشر الفوضى وزعزعة استقرار المجتمعات عبر ترويع الناس في أماكن النزاع وزيادة مخاوفهم مما قد يدفعهم لاتخاذ قرارات أو القيام بأفعال خاطئة وغير محسوبة.

ولأن من حق الجميع الحصول على معلومة دقيقة، يصبح من الضروري على كل مستخدمي/ات وسائل التواصل الاجتماعي اكتساب مهارات تتعلق بالتحقق من المعلومات قبل نشرها أو إعادة مشاركتها.

قد يعتقد البعض أن التحقق عملية معقدة، وهي كذلك في كثير من الأحيان. لكن هناك خطوات أساسية يمكن القيام بها بسهولة في حال أردنا التأكد من حقيقة ما نتعرض له على مواقع التواصل الاجتماعي وقبل القيام بمشاركته على نطاق واسع. فعلى سبيل المثال: 

  • يمكن للأفراد حماية أنفسهم من الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة من خلال متابعة منصات تدقيق المعلومات الموثوقة والخبراء في هذا المجال لتبين حقيقة انتشار الكثير من المعلومات والصور على مواقع التواصل الاجتماعي.
  • التشكيك بصحة ودقة كل ما نراه ونقرأه على مواقع التواصل الاجتماعي أمر ضروري خاصة في أوقات الحروب والنزاعات حيث يزداد انتشار الأخبار المغلوطة والمعلومات المضللة بصورة حادة في إطار الحرب النفسية التي يمارسها المتنازعون بشراسة قد تفوق شراسة القتال بالأسلحة الثقيلة. لذلك، لا يوجد مسلمات فيما ينشر على هذه المواقع ولو ترافق مع صور أو فيديوهات.
  • البحث دائما عن المصدر. يميل الناشرون المخادعون إلى استخدام اسم شخصية معروفة أو يتجنبون ذكر المصدر لتصعيب عملية التدقيق، لكن استعمال اسم الشخص المعروف يجعل عملية التحقق ممكنة إذ يمكن البحث عن تصريحات هذه الشخصية الأخيرة على وسائل إعلامية ذات مصداقية وأيضًا زيارة الصفحات الشخصية الموثقة لهذه الشخصية للتأكد فعلًا من مصداقية ودقة التصريحات والصورة.
  • تتبع الأخطاء الإملائية: أغلبية الأخبار الكاذبة والمضللة تكون صياغتها ركيكة مليئة بالهفوات الإملائية الواضحة لأي قارئ، رصانة الخبرعنصر مهم في بيان مدى صحته.

ربما تطول وتتعقد الخطوات التي يمكن من خلالها التحقق من المعلومات، لكن اعتبار البعض منها ضروري للحد من انتشار الإشاعات المغرضة والأخبار المغلوطة خاصة في أوقات الحروب والأزمات. إذ يمكن لبعض التشكيك مع القيام بخطوات أساسية في التدقيق أن يكشف الكثير من التضليل ويقلل من انتشاره وتأثيراته السلبية خاصة في أوقات الصراعات. ربما نحن غير قادرون على إيقاف النزاعات، لكن يمكننا بالتأكيد المساهمة في عدم زيادة حدتها بنشر معلومات خاطئة ومضللة.

أنجز هذا المقال بدعم وإشراف الشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN) من أريج، بالتعاون مع منصة “الفاحص” في العراق، ضمن مشروع “صح” من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية (CFI) وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD).

[:]