Skip to content

تدقيق المعلومات في زمن الانتخابات اللبنانية: التحديات والفرص

[:ar]

إيمان برق – تحقق

يستعد لبنان لخوض الانتخابات النيابية في منتصف شهر أيار/مايو 2022، في ظل أزمة إقتصادية وسياسية وإجتماعية تعصف به وتستنزف خيراته وموارده البشرية. انتخابات بدأت معظم الأقطاب السياسية إظهار جدّيّة الاستعداد لها بعد إطلاق ماكيناتها الانتخابية في المناطق كافة، ولم تألو جهدًا خلالها في إطلاق سلسلة من الشعارات والوعود السياسية، منها ما هو قديم ومنها ما هو جديد في محاولة منها لجذب أكبر عدد من الناخبين، كما الحال في كل انتخابات نيابية. 

من هنا يلعب مدققو المعلومات دورًا مهمًّا في مسألة التوعية والإرشاد وبيان الحقائق. ويصبح السؤال المطروح: “ما هو دور مدققي المعلومات في لبنان خلال فترة الانتخابات؟”.

يفرض الواجب المهني على الصحفي العمل بشكل موضوعي من دون تحيّز لأحد، ومن دون أن يعني هذا الأمر أيضاً التخلّي عن مناصرة القضايا الوطنية المحقّة التي تستوجب مناصرة المتضررين. لكن متى ما غابت الموضوعية وبرز التحيّزّ في العمل الصحفي وصار الصحفيّ طرفاً في الدعاية السياسية، جاء دور مدققي/ات المعلومات لتصحيح المسار، كيف؟

-أوّلًا: عبر تحديد ما يمكن تدقيقه من الخطابات، الوعود الانتخابية التصريحات السياسية.

-ثانيًا: تدقيق المعلومات وتوضيح سياقاتها.

-ثالثا: نشر الحقائق مع التقييم المناسب لها بناءً على منهجية واضحة وشفافة..

لكن هذه المسألة وغيرها لا تخلو من الصعوبات والتحديات كما العديد من الخطوات الإصلاحية في لبنان التي تواجهها اعتراضات تصعّب تنفيذها إذا ما كانت تتعارض مع مصالح سياسية لفئة معينة، وكذلك فإن عمل مدقق/ة المعلومات في هذه الفترة لا يقل صعوبة عن غيره. 

أمّا هذه الصعوبات فتكمن في التصريحات التي تدغدغ المشاعر وتترك أثرًا عند المتلقي لكنها غير قابلة للتدقيق كونها تعبّر عن رأي شخصي أو كلام عام. فمثلا عندما أعلن النائب الحالي عن المقعد الماروني في جبيل زياد الحوّاط ترشّحه رسميا لدورة جديدة عبر خطاب ألقاه  وبُثّ بشكل مباشر على صفحته الرسمية، بدأ حديثه “أهلاً وسهلاً فيكن أهلي وأخوتي وأصدقائي ورفاقي. أهلا وسهلا فيكم بجبيل المدينة الأحب على قلبي وقلبكم. جبيل الفكر والثقافة والاعتدال والانفتاح على كل مكونات الشعب اللبناني. جبيل الحضارة والتاريخ والفن والجمال. جبيل الديمقراطية والتعايش والحرية والعنفوان والكرامة. جبيل اللي كلنا منعرفها منارة لبنان ولؤلؤة المتوسط… “

وفي نهاية الخطاب توجّه إلى أبناء قضاء جبيل قائلاً: “إنتو أصحاب قراركم، وإنتو رح تفرزو نوّابكم ومرجعيّاتكم، إنتو رح ترسمو صورة مستقبل وطنكم، قرار جبيل بيطلع من جبيل، جبيل مَنها ملحقة أو تابعة لحدا، جبيل مَنها خزّان أصوات لتأمين حاصل مِن هون  وتعزيز مرشّح مِن هونيك (تصفيق الحضور). مِنقول لكل اللي هاجمين عجبيل وفّروا تعب ووفّروا أحلام (صوت أحد الحاضرين: برافو زياد). يلّي مفكر إنو جبيل والجبيليّين معروضين بالبازار الانتخابي بنقلهم إنتو مغلطين كتير(تصفيق الحضور). إنتو ما  بتعرفو الجبيليّين أبداً شكلكم، وما بتعرفو بلاد جبيل أبداً شكلكم، أحرار ومستقلين من أيّام الفينيقيين نحنا (تصفيق الحضور). نحنا صدّرنا الحرف وصكّينا العملة وكنّا إمارة مستقلّة، نحنا الكرامة والعنفوان وعزّة النفس، جبيل هي محطّة أنظار كل الناس بالعصر الحديث بلبنان وبرّات لبنان … (تصفيق الحضور). الناخب الجبيلي عطول حُرّ وحُرّ وحُرّ لا بينشرى ولا بينباع. (تصفيق الحضور)

 كذلك، محدودية المنصات والجهات المتخصصة في التدقيق والنشر في لبنان ومحدودية التشبيك بينها. أيضاً، فإنّ أيّ حملة إعلاميّة توعويّة مفترضة تحتاج إلى فريق عمل متخصص في عدة مجالات وهذه الحملات تتطلب ميزانية قد لا تكون متوفرة لدى الجميع. كل هذه الصعوبات تصبّ في نهاية المطاف في مصلحة تسهيل نشر وتداول الشائعات والمعلومات الخاطئة والمضللة  والتأثير السلبي على الرأي العام والدعاية السياسية.

وبما أن عدد من الصعوبات الأساسية التي تواجه المدققين/ات معلومة، إذاً لا بد من العمل على تذليلها إذا ما أراد المدقّق/ة ترك بصمة إيجابية في مسيرته المهنية خلال هذه الفترة. ويمكن ذلك بدءاً من رفض أي محاولات لاستقطابه من قبل المرشحين من منطلق قناعته بأهمية دوره وعمله المهني لا سيما خلال فترة الانتخابات، وصولاً إلى تمنّعه عن الترويج لمرشحين/ات على حساب آخرين، وهنا قد نتساءل كيف يمكنه ذلك؟ الصحفي/ة أو المدقّق/ة بحكم العمل أو القرابة ستربطه/ـها علاقات اجتماعية بأفراد وممثلي جهات يعملون في مجالات متنوّعة، وحكماً سيكون من هؤلاء من هو مقرّب أو جزء من تيّار أو حزب أو منظّمة تعمل في الشأن السياسي.عند هذه النقطة، وجب على المدقّق/ة أن لا تقيّده علاقاته الاجتماعية وتمنعه من توضيح أي حقيقة قد لا تخدم من هم ضمن دائرة علاقاته الاجتماعية، لذا عليه أن يبقى على مسافة واحدة من الجميع لأن كشف الحقيقة هو الأَولى. وهو وقبل وجود أي رقابة رسميّة أو قانونية على عمله قادر على أن يجعل نفسه رقيبة على هذا العمل انطلاقاً من وازع أخلاقي بالدرجة الأولى أو أخلاقي ديني ثمّ لدوافع مالية إذا ما كان التدقيق جزءاّ من وظيفة وليس مجرّد عمل تطوّعي. وهذا الأمر لا يعني أيضًا أن لا يكون له آراؤه الخاصة في مسائل أو قضايا داخلية معيّنة، لكن ما يهم هو أن تكون المنصّة الرسمية التي يعتمدها لنشر المعلومات المدققة والحقائق تتبنّى منهجيّة غير متحيّزة لأحد ودون آراء خاصّة. أمّا وإن حدث وأن رُفعت بحقّه أي دعوى قضائية تشكّك في مصداقية ما نشره، فمثل هذه الأمور لا تزال تخضع لقوانين محكمة المطبوعات في لبنان.²

وللحد من التضليل الممنهج الذي تبرع به الأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية من جهة، ومن أجل إنصافها في إنجازاتها من جهة أخرى كون الواجب المهني يفرض الموضوعيّة، يجب على مدققي/ات المعلومات خلال هذه الفترة توظيف اهتمام الجمهور بمتابعة منصات وسائل التواصل الاجتماعي بملاقاته عند نقاط مشتركة على هذه المنصات عبر حملات إعلامية تشجّعهم على التفكير خارج الصندوق وتحثّهم على طرح مجموعة من الأسئلة النقدية حول أي موضوع مستجدّ، وتجعلهم يشككون بكثير من المعلومات التي تمر أمامهم ومنها طبعًا ما هو مرتبط بالشأن الانتخابي.

وفي هذا الإطار، يقع أيضاً على عاتق مدقق/ة المعلومات التحديد للجمهور ما يمكن تدقيقه من خطابات وتصريحات وما لا يمكن تدقيقه مع توضيح الأسباب. بعد ذلك، تأتي خطوة إشراك هذا الجمهور في عملية التدقيق والتصحيح ونشر ما تم تدقيقه.

في الخلاصة، كلما استخدم الجمهور التفكير الناقد وانعكس ذلك على اتخاذ قرارات صحيحة خلال فترة الانتخابات وفي صناديق الاقتراع، كلما اعتبرنا أنّ الجهود المحلية والعربية والعالمية المبذولة للتوعية حول أهمية تدقيق المعلومات قد حققت إنجازاً في لبنان أيضًا كونها ساهمت في بناء وعي مجتمعي حول هذه الانتخابات وحول كيفية إدارتها من قبل السياسيين اللبنانيين، وبالتالي ساهمت أيضاً في مساعدة الناخب على تحديد خياراته بنفسه.

وفي تجربة شخصية، وبين الفينة والأخرى، كلما نظرت باستغراب وأحيانا شيء من السخرية من منشورات مضللة أو مزيفة نشرها أحد أصدقائي أو أفراد عائلتي وتساءلت كيف يصدقون هذا الكلام غير المنطقي؟! جاءت خاصية الذكريات على فيسبوك لتذكرني بمنشورات قديمة وبأنني وقبل أن أكون مدققة معلومات كنت ذات يوم من هؤلاء الذين وقعوا ضحيّة التضليل وصدّقوا كثير من المعلومات غير الدقيقة المرتبطة بالسياسة وغيرها وأدركت حينها أكثر حجم المسؤولية الملقاة على عاتق كل مدقق/ة ودوره الجوهري في نشر الوعي في مجتمعه.

أنجز هذا المقال بدعم وإشراف الشبكة العربية لمدققي المعلومات ِ(AFCN) من أريج وبالتعاون مع منصة “تحقق/لبنان”، ضمن مشروع “صح” من برنامج “قريب”، الذي تنفذه الوكالة الفرنسيّة للتنمية الإعلاميّة (CFI) بتمويل من الوكالة الفرنسيّة للتنميّة (AFD).

 

 

 [:]