Skip to content

تدقيق المعلومات بين الموضوعية والانحياز

تختلف المؤسسات الصحفية والإعلامية على مستوى العالم في عدة جوانب؛ منها ما يتعلق بالسياسة التحريرية، ومنها ما يتعلق بمساحة الحرية المسموح بها في تغطية القضايا والأخبار، ومنها ما يتعلق بالأخلاقيات وميثاق الشرف الصحفي، إضافة إلى مصادر التمويل، وسبل تنميتها. 

ومع هذا التنوع في المؤسسات الصحفية والإعلامية، قد يقع المُتلقي للرسالة الإعلامية فريسة لتوجهات ومصالح هذه المؤسسات الصحفية، فيتعرض للتضليل أحياناً، وربما غياب المعلومة والخبر، وقد يتعرض لتوجيه مباشر أو غير مباشر؛ عن طريق زوايا معالجة الأخبار والقضايا التي تتبناها هذه المؤسسات الصحفية والإعلامية، بالإضافة إلى سياسة انتقاء الأخبار والقضايا في التغطية الإعلامية.

وعلى الرغم من وجود فِرق عمل لتدقيق المعلومات في كثير من المؤسسات الصحفية، إلا أن بعض هذه المؤسسات تستخدم هذه الوسيلة فقط، فيما يخدم سياستها التحريرية، أو فيما يتوافق مع مصالح مصادر تمويلها على سبيل المثال؛ وهنا يتطلب الأمر من الصحفيين/ات المستقلين/ات تدقيق المعلومات والأخبار من عدة مصادر، وليس من مصدر أو جهة بعينها.

ويزداد الأمر صعوبة في الدول التي تشهد خلافات سياسية حادة، أو صراعات مسلحة بين عدة أطراف، داخلية أو خارجية. فمهمة تدقيق المعلومات والأخبار حينها، تتطلب دراية كاملة بسياق الأخبار والمعلومات التي تصدر عن هذه الجهات؛ وقد يكون من الضروري أن تسند مهمة التدقيق والتحري لأحد أعضاء الفريق من خارج الدولة، التي تشهد صراعاً سياسياً أو مسلحاً؛ لضمان تطبيق مبدأ الحياد والموضوعية.

وهذا ينطبق على الدولة الواحدة التي تشهد صراعات سياسية أو مسلحة؛ مثل الأحداث التي يشهدها اليمن، أو الصراع الذي شهدته سوريا لسنوات، أو حتى تلك الأحداث السياسية التي شهدتها الولايات المتحدة أثناء ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب؛ حيث كانت حقبة مليئة بالأخبار والمعلومات غير الدقيقة والمضللة -في كثير من الأحيان- وتَطلب ذلك من مدققي/ات الأخبار والمعلومات، المعرفة التامة بالمؤسسات الإعلامية التي تميل -بشكل أو بآخر- للديمقراطيين أو للجمهوريين، وما تبنته حينها من خطاب إعلامي يدعم توجه هذا الفريق أو ذاك. فعلى سبيل المثال؛ قام فريق تدقيق المعلومات بصحيفة الواشنطن بوست بالتحقق من 30 ألف تصريح للرئيس السابق دونالد ترامب – خلال ولايته الرئاسية- وقد تبين عدم صحة هذه التصريحات، بحسب مسؤولي الواشنطن بوست.

منصات التواصل الاجتماعي ساعدت بشكل كبير في توفير بيئة خصبة لانتشار الأخبار المغلوطة والمضللة؛ بسبب أن مستخدمي هذه المنصات عادة، يقومون بإعادة نشر المحتوى، من دون أن يتحققوا من دقته. 

وعلى الرغم من أن إدارة بعض هذه المنصات تقوم بحظر بعض الحسابات -فيسبوك مثالاً- إذا ثبت نشرها لأخبار كاذبة أو مغلوطة، أو محتوى يتضمن خطاب كراهية؛ غير أنها قد تُستخدم -بقصد أو بدون قصد- في تقييد حرية التعبير أو حتى في الحيلولة دون تدقيق بعض المعلومات والحقائق.

 على سبيل المثال، تعرضت عدة منصات تدقيق معلومات داخل فلسطين إلى حظر حساباتها على منصات التواصل، بسبب محاولاتها تدقيق بعض المعلومات والأخبار التي تصدر من جهات إسرائيلية. 

الأمر لم يعد يتعلق فقط بمنصات التواصل الاجتماعي، التي هي بالأساس وسيلة للنشر، بل إن التطور التكنولوجي الهائل أفرز لنا ما بات يعرف بالذكاء الاصطناعي، تلك الأداة التي تستخدم في التدقيق والتضليل في آن واحد.

فمن خلال هذه التكنولوجيا الحديثة؛ يمكن لمدققي/ات المعلومات التحقق من الصور والفيديوهات والمواد الصوتية وغيرها، بدقة عالية. غير أن الذكاء الاصطناعي أيضاً يُمثل أداة قوية من أدوات التضليل والتزييف؛ فهناك برامج متعددة يستطيع من خلالها المستخدم محاكاة الصوت والصورة بشكل احترافي، أقرب إلى الحقيقة؛ ما يُصعب أيضاً مهمة تدقيق هذه المواد المُنتجة بواسطة برامج الذكاء الاصطناعي.

كل هذه الأدوات -التي فرضها العصر الرقمي- جعلت من الضروري لمدققي المعلومات، مواكبة هذا التطور الهائل في التكنولوجيا؛ من خلال المعرفة التامة باستخدامات تقنية الذكاء الاصطناعي المختلفة.