نعيش الآن في عصر رقمي جديد، جعل الوصول إلى المعلومة أسرع، عبر العديد من الأدوات الحديثة المتاحة؛ التي جعلت من العالم قرية صغيرة، يسهل التنقل بين كل تفاصيلها. هذه الفرضية -وهي سهولة الوصول إلى المعلومة- لا تنطبق على كل دول العالم؛ فالكثير من الدول لا تؤمن بحرية تداول المعلومات، بل وتكشف فقط عن المعلومات التي تريد أن تصل إلى الجمهور، في حين تغلق كل النوافذ أمام الوصول إلى المعلومات، التي لا تريد الكشف عنها.
ولسوء الحظ، فإن العديد من دول العالم العربي لا تطبق مبدأ “الحق في الحصول على المعلومات”، حتى وإن كانت تشريعاتها وقوانينها تنص صراحة على هذا المبدأ؛ ما يفرض تحديات متزايدة أمام الصحفيين/ات والباحثين/ات للوصول إلى المعلومات والأخبار.
الأمن القومي وحظر النشر
تفرض العديد من المؤسسات الحكومية في كثير من الدول العربية قيوداً صارمة أمام الوصول إلى المعلومات والأخبار؛ بحجة أن هذه المعلومات أو الأخبار تمسّ الأمن القومي؛ ما يفتح الباب أمام الشائعات والتكهن والأخبار الكاذبة والمغلوطة.
إن السلطات في كثير من الدول العربية تمارس دور الوصي الراشد على مواطنيها؛ فتقدم لهم فقط ما يحتاجون من معلومات وتحجب عنهم المعلومات غير المفيدة أو الضارة؛ وبالتالي يتحول صحفيون كثر إلى صحفيي بيانات رسمية، ينشرون عبر مؤسساتهم الصحفية الأخبار والمعلومات التي تُمرر إليهم فقط.
يتخطى الواقع حجب المعلومات بداعي الأمن القومي، إلى منع تداول الأخبار والمعلومات الخاصة بقضية معينة بقرار “حظر النشر”؛ وبالتالي تحتكر الجهات الرسمية فقط المعلومات والأخبار الخاصة بتلك القضية. قد يكون مقبولاً في عدد من القضايا المحدودة -كالتي تتعلق بالحياة الشخصية للأفراد أو المتعلقة بالشرف من باب انتهاك خصوصية الأفراد أو تلك الأخبار العسكرية في حالة الحرب مثلاً-، لكن السلطات تتجاوز هذا النوع من القضايا؛ وتتوسع في استخدام سلاح حظر النشر في كثير من قضايا الشأن العام؛ ما يحرم الصحفيين والجماهير -على حد سواء- من حقهم في الحصول على المعلومة.
غياب البيانات
يمكن إيجاد المعلومات الخاصة بالشركات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية -في الدول التي تؤمن وتطبق مبدأ الحق في الحصول على المعلومة- عبر الإنترنت؛ وبالتالي يسهل الوصول إليها وتدقيقها من مصادر مختلفة.
وفي أحيان أخرى، تكون بعض المعلومات والوثائق محفوظة لدى أرشيف بعض المؤسسات، وغير متوفرة عبر الإنترنت؛ لكنها في المقابل تكون متاحة؛ إما عن طريق الشراء أو عن طريق المقابلات الشخصية، بغرض الحصول عليها.
لكنّ الصحفيين في عالمنا العربي يجدون صعوبة بالغة في الحصول على المعلومات؛ فالصحفي دائماً يُنظر إليه على أنه يُمثل تهديداً ما؛ وبالتالي تُغلق أمامه كل الأبواب المُوصلة إلى المعلومة والخبر؛ ما يفرض تحدياً جديداً أمام الصحفيين والصحفيات، يتمثل في كيفية الوصول إليها، إضافة إلى حماية مصادر هذه المعلومات والأخبار من خطر قد يصيبها أو يهدد سلامتها.
تحديات الأمن والسلامة
إن التحديات التي يواجهها مدققو/ات المعلومات في أي مكان بالعالم، كثيرة ومتعددة، غير أن العالم العربي -بطبيعة الحال- يضيف تحديات أكثر وأقسى؛ نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية المحيطة بالصحفيين والصحفيات؛ والتي تقيد من حرية العمل الصحفي، وتخلق عوائق تحول دون الوصول إلى المعلومة الصحيحة.
فمهمة تدقيق المعلومات والأخبار في مناطق الحروب والنزاعات مثلاً، قد تهدد حياة الصحفي أو الصحفية؛ إذا ما تعارضت مهمة كشف الحقائق والمعلومات، مع مصالح أحد الأطراف المتنازعة.
وما أقرب عقوبة الحبس أو الإيقاف عن العمل للصحفيين والصحفيات في عالمنا العربي، إذا ما هدد مسار كشف الحقائق وتدقيق المعلومات مصداقية السلطة الحاكمة، أو خالف مصالحها.
كل هذه التحديات تفرض على مجتمع مدققي/ات المعلومات في عالمنا العربي ضرورة التنسيق والتكامل بينها؛ من أجل الاستفادة من الخبرات المتنوعة داخل هذه المؤسسات، وتنسيق الجهود فيما يتعلق بالعمل على قصص مشتركة عابرة للحدود، إضافة إلى ضرورة وجود كيان مؤسسي كالشبكة العربية لمدققي المعلومات -يجمع مدققي المعلومات تحت راية موحدة-؛ يُمثل ضغطاً شرعياً على الحكومات والمؤسسات للقبول بمجتمع مدققي المعلومات في عالمنا العربي، ولتقليل فرص التعرض لسلامة الصحفيين والصحفيات، في طريقهم للحصول على المعلومة والخبر.