Skip to content

سلوك الجماهير تجاه المحتوى غير المُدقَق 

تميل الجماهير عادة إلى تصديق ما يتوافق مع معتقداتها أو الأفكار المتجذرة لديها، والتي رسختها التجارب الحياتية المختلفة. وفي المقابل، تسعى -شريحة كبيرة من الجماهير- إلى التشكيك في كل ما يتعارض مع قناعاتها، وعدم التسليم أو قبول أي أفكار جديدة، حتى وإن اجتمعت كل الأسباب المنطقية لقبولها.

دراسة أجرتها جامعة ستانفورد الأمريكية توصلت إلى أن ثمانين في المئة من الجمهور -الذي شملته الدراسة- لم يستطيعوا التفرقة بين المحتوى الممول والأخبار الحقيقية عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأن ذات النسبة ليست لديها مشكلة في الحصول على المعلومات والأخبار من مصادر مجهولة.

الدراسة التي أجرتها الجامعة الأمريكية قبل سنوات، أحدثت صدمة كبيرة داخل الأوساط الأمريكية؛ لأن جميع الأخبار والقصص التي استخدمت في الدراسة، كانت مُختلقة بشكل كلي. وعلى الرغم من هذا، تسارع مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في نشر هذه الأخبار، وتفاعلوا معها، ولم يحاولوا التثبت والتحقق من صحة هذه الأخبار والمعلومات.

هذه الدراسة وغيرها تشير إلى أن الجمهور المُتلقي للرسالة الإعلامية -من أخبار ومعلومات أو قصص- يميل دائماً إلى تصديق ما ينشر عبر وسائل الإعلام المختلفة، خاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حتى وإن كانت هذه الأخبار والمعلومات تحتوي على قرائن أو علامات قد تدفع المتلقي للتوقف عندها وعدم تصدقيها؛ بسبب عدم منطقيتها أو التضارب في المحتوى والسرد، أو حتى مصادرها المُجهلة.

وعلى الرغم من محاولات القائمين على منصات التواصل في وضع ضوابط محددة؛ للحد من انتشار الأخبار والمعلومات الكاذبة والمضللة -كالعلامة الزرقاء مثلا لتوثيق الحسابات الشخصية أو حذف المحتوى التحريضي أو الذي يتضمن خطاب كراهية- إلا أن الكثير من مستخدمي هذه المنصات، ليس لديهم الدراية الكاملة بأدوات التحقق من المعلومات والأخبار الكاذبة، إضافة إلى عدم وجود الرغبة أو الدافع لدى شريحة من الجمهور في بذل أي جهد؛ للتحقق من المحتوى المنشور عبر منصات التواصل.

بل إن المحتوى المُدقق -في الغالب- لايلقى نفس القدر من الانتشار والتفاعل عبر منصات التواصل، كنفس المحتوى قبل التدقيق؛ والسبب وجود الانحياز المسبق لدى المتلقي لقبول المعلومات والأخبار التي تدعم قناعاته وتعززها، ويميل بالتالي تلقائيا لرفض المعلومات التي تشكك في الانطباعات والقناعات الشخصية، المُثبتة لديه.

كما أن حرص مستخدمي التواصل الاجتماعي -لاسيما نشطاء هذا الفضاء الإلكتروني، الذين لديهم أعداد كبيرة من المتابعين- على تحقيق أكبر عائد من انتشار المحتوى، سواء كان صورا أو فيديوهات أو غيره، قد يدفعهم هذا السلوك إلى غض الطرف عن تدقيق المحتوى قبل نشره، بل إن البعض يختلق أخباراً وقصصاً غير صحيحة بالكامل؛ في سبيل زيادة عدد المشاهدات أو المتابعين.

وعلى رغم من الجهود الكبيرة من قبل مدققي المعلومات والأخبار -الذين يعملون عبر مؤسسات ومنصات مختلفة في عدة بلدان عربية- للتصدي للمعلومات والأخبار الكاذبة والمُضللة؛ إلا أن تدريب المتلقي للرسالة الإعلامية، وتنمية مهاراته؛ لكشف المحتوى الكاذب أو المضلل عبر الفضاء الإلكتروني الشاسع، يعد مهمة وضرورة ملحة، للمساعدة في انحسار المحتوى غير المُدقق.

وتعد تنمية وتعزيز قدرات التفكير النقدي لدى المتلقي للرسالة الإعلامية، خطوة أولى لرصد المحتوى الكاذب والمضلل؛ وبالتالي التوقف عن التفاعل إيجابيا معه بالتعليق والنشر والإسهام في وصوله إلى شريحة أكبر من الجمهور.

وتوجد عدة عوامل وشروط أساسية، قد تساعد المُتلقي للرسالة الإعلامية، في معرفة ما إذا كان المحتوى المنشور صحيحا أم لا؛ أولها مصدر هذا المحتوى، فالمصادر المجهولة أو غير الموثوقة لا يمكن تصديق ما يُنشر عنها دون تدقيق أو تحقق. ثم تأتي ضرورة فهم السياق الذي يُنشر فيه هذا المحتوى؛ لمعرفة الدافع وراء النشر، بالإضافة إلى محاولة التأكد من المحتوى المنشور؛ من خلال الرجوع إلى مصادر أخرى، والمقارنة بين الروايات الموجودة بين المصادر المتاحة، كلها عوامل قد تساعد في تمييز الأخبار الصحيحة من الكاذبة والمضللة.