Skip to content

تدقيق المعلومات: مسؤولية مشتركة يفرضها العصر الرقمي

نعيش الآن في عصر رقمي، لا يتيح فقط نشر المعلومات والأخبار في أي وقت، وعبر منصات مختلفة باتت في متناول الجميع، بل إن المتلقي لهذه المعلومات والأخبار أصبح الآن مشاركاً أساسياً في نقلها ونشرها، وربما تفسيرها أيضاً عبر الأدوات الجديدة المتاحة للنشر؛ ومن بينها وسائل التواصل الاجتماعي.

زخْم كبير في تناول الأخبار والمعلومات، خلق مساحة من الحرية عززها العصر الرقمي بأدواته المختلفة، والذي قضى على الدور التقليدي للمتلقي؛ إذا أتاح له إمكانية تحليل المعلومات، والتحقق منها، بالإضافة إلى مناقشة الأفكار والرؤى مع الكتاب والصحفيين، والمصادر المختلفة.

واقع معلوماتي جديد، خلق ما بات يعرف بـ “صحافة المواطن”، الذي أصبح بدوره صانعاً للخبر، ومنافساً قوياً لممتهني الصحافة والإعلام على مستوى العالم. يبدو هذا العالَم الرقمي الجديد براقاً ولامعاً للوهلة الأولى، عالَم يغلب عليه سهولة الوصول إلى المعلومة والخبر، وحرية تداولها والتعليق عليها -على الأقل عبر مساحات شخصية- لكنّ هذه الصورة غير مكتملة؛ فوسط هذا التدفق الهائل للأخبار والمعلومات، سيل جارف من المعلومات والأخبار الكاذبة والمضللة.

واقع أجبر صحفيين وصحفيات بمؤسساتهم المختلفة، على إرساء قواعد التدقيق والتحقق من المعلومات والأخبار عبر هذا الفضاء الرقمي الواسع؛ للتصدي لما يُنشر من محتوى كاذب ومضلل.

مسؤولية مشتركة

فعلى الرغم من أن مهمة تدقيق المعلومات والأخبار تقع على عاتق الصحفيين والصحفيات، إلا أن الجمهور المستهدف بالرسالة الإعلامية يتحمل جزءاً من المسؤولية. لك أن تتخيل مثلاً، أن خبراً ما زائف أو أن قصة ما مختلقة، ونُشرت على منصة صحفية رقمية، كيف لهذه القصة أو الخبر أن تنتشر من دون أن يساعد في نقلها ونشرها مستخدمو/ات المنصات الرقمية؟! بل إن تأثير بعض المواطنين في النشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، يفوق بكثير منصات صحفية كبيرة -ورقية أو رقمية- من حيث الانتشار وربما المصداقية أيضاً؛ كالمؤثرين أو الانفلونسرز (influencers) على سبيل المثال.

لكنّ المسؤولية الأكبر بالطبع تقع على الصحفيين والصحفيات، فإلى جانب المهمة الأولى في التدقيق والتحقق، تأتي مهمة أخرى، وهي التربية الإعلامية أو التوعية الإعلامية للجمهور المتلقي للرسالة الإعلامية. فإن بناء وترسيخ مبدأ التفكير النقدي للمعروض من المعلومات والأخبار لدى الجمهور، هو مهمة القائم بالاتصال في المقام الأول، إضافة إلى نقل مهارات التدقيق والتحقق، حتى نعزز أدوات التصدي للمعلومات والأخبار الكاذبة والمضللة لدى الجمهور.

التربية الإعلامية

تعتمد التربية الإعلامية أو التوعية الإعلامية على تعزيز مهارات مُتلقي الرسالة الإعلامية؛ بحيث تكون لديه القدرة على تحليل مضمون تلك الرسائل، والتفكير بها قبل قبولها وتصديقها، أو التشكيك بها ورفضها.

ويتمثل الهدف الأساسي للتربية الإعلامية في حماية الأفراد من التأثيرات السلبية للرسائل الإعلامية، وزاد هذا التوجه مع التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال، فتعددت أهداف التربية الإعلامية؛ لمواجهة التحديات الجديدة التي يفرضها العصر الرقمي بأدواته المستحدثة، ومن بينها:

تزويد الأفراد بالمعلومات والأدوات التي تساعدهم في تحليل وتفسير ونقد كل ما يُقدم من مضامين ورسائل إعلامية؛ وبالتالي فهم الأيديولوجيات الخاصة بوسائل الإعلام التي تسعى لتحقيقها.

إتاحة الخبرات اللازمة لمساعدة الأفراد على الاستخدام الأمثل لوسائل تكنولوجيا الاتصال، ومواكبة التطورات المستمرة والسريعة للعصر الرقمي، واستغلال كل هذه المعطيات في عملية التعلم واكتساب العلوم المختلفة حول عديد الموضوعات والقضايا.

إذا تدور أهداف التربية الإعلامية حول اكتساب المهارات والأدوات اللازمة لمُتلقي الرسالة الإعلامية؛ حتى يتمكن من تعزيز القدرات النقدية للتعامل مع الرسائل والمضامين المختلفة.

ومع أن العالم العربي ما زال متأخراً في إدراج التربية الإعلامية ضمن المناهج الدراسية للطلاب، إلا أن بعض التجارب العربية قد حققت بعض النجاحات في هذا الجانب.

ومع هذا التدفق الهائل في المعلومات والأخبار عبر عالم رقمي متغير؛ أصبحت الحاجة إلى التوعية الإعلامية أو التربية الإعلامية ضرورة ملحة؛ لتكوين جيل جديد قادر على التصدي لسيل من الشائعات والأخبار الكاذبة والمضللة؛ فالمُتلقي للرسالة الإعلامية -وإن اختلفت أشكالها- هو العنصر المُستهدف والفاعل في تحقيق غاية هذه الرسالة أو إخفاقها، أيّاً كان مضمونها.