Skip to content

“الكرت الأحمر” في وجه الأخبار الزائفة

 

إسلام عزيز – مسبار

مع بدء العد التنازلي لصافرة بداية بطولة كأس العالم 2022 في قطر، تتزايد الأخبار الزائفة والمضللة عن البطولة، التي تنظم للمرة الأولى في العالم العربي.

بطولة من المتوقع أن تشهد المزيد من الأخبار المفبركة، لدرجة أنها قد تصبح لاعبا مؤثرا يفرض حضوره داخل “المستطيل الأخضر”.

 وبالنظر إلى الأخبار الزائفة والمضللة والادعاءات المنشورة قبل المونديال، نجد أنها عبارة عن تصريحات مُختلقة نُسبت إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وأخبار متعلقة بالبلد المضيف، وأخرى متصلة باللاعبين، ما يؤشر إلى أننا أمام احتمالية كبيرة لصعود مؤشر هذه الادعاءات كلما اقترب موعد البطولة.

وحتى لا يقع عشاق المستديرة في فخ الأخبار الزائفة عن المونديال المرتقب، نرصد في هذا التقرير أمثلة عن هذه الأخبار، ونصائح لتجنب الوقوع فيها. 

 مخاوف أمنية

انتشار واسع حظي به تصريح -انتشر باللغتين العربية والإنجليزية-، نُسب إلى لاعب كرة القدم في فريق ليفربول والمنتخب الإنجليزي، جوردان هندرسون: “لن أحضر عائلتي لتشاهد كأس العالم في قطر، خوفا على سلامتهم وتعرضهم لأشياء في الدولة المستضيفة”.

الحقيقة أنَّ التصريح الذي نُسب إلى اللاعب الإنجليزي مُحرف عن التصريحات التي أدلى بها.

هندرسون قال في التصريحات الأصلية، التي نشرتها وسائل إعلامية إنجليزية يوم 21 أيلول/ سبتمبر الفائت، إن والده يفكر في عدم الذهاب إلى كأس العالم قطر 2022، بعد المتاعب الصادمة التي تعرضت لها عائلته قبل نهائي دوري أبطال أوروبا الأخير بين ريال مدريد وليفربول في باريس، وأثناء الأحداث المروعة التي وقعت مع عائلات لاعبي المنتخب الإنجليزي، خلال أعمال الشغب أمام ملعب ويمبلي في لندن قبل مباراة نهائي بطولة “يورو 2020” بين المنتخب الإنجليزي أمام إيطاليا.

وأوضح هندرسون أن هذه المشاهد في باريس ولندن، جعلت والده لا يرغب في السفر إلى المناسبات الكبرى بعد الآن، بما في ذلك كأس العالم.

وأكد اللاعب الإنجليزي “عندما يقترب موعد كأس العالم، أعلم أن هناك الكثير من العناصر الأمنية والأشياء التي تحدث في قطر، وأنا متأكد من أنها ستجعل الناس أكثر أمانا. ولكن عندما تكون لديك هذه التجارب، أحيانا تفكر، هل يستحق الأمر المخاطرة، أم سيتعين علينا أن ننظر أقرب إلى الوقت”.

وهي في الحقيقة تصريحات مختلفة تماما عن المقصود في التصريح الذي تم تداوله وترويجه طرق عدة، واستغلاله من الأطراف المعارضة لتنظيم البطولة في قطر.

“قطر ترحب بكم”.. تعليمات مزورة

قبل شهر من انطلاق مونديال قطر، نشرت مواقع إلكترونية وحسابات على مواقع التواصل، صورة حملت عنوان “قطر ترحب بكم”، وادّعت أنها تتضمن تعليمات رسمية أصدرتها دولة قطر للقادمين إليها لحضور كأس العالم.

كُتب عليها “أظهر احترامك لدين وثقافة المجتمع القطري من خلال تجنب هذه السلوكيات: الألفاظ الخادشة، واللباس المبتذل..”.

وفي الحقيقة، لم تصدر القائمة عن جهة رسميّة قطرية. ويعود التصميم إلى مبادرة أطلقها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل اسم “أظهر احترامك”، بدعوة جماهير كأس العالم في قطر إلى احترام الثقافة العربية والإسلامية وعادات وتقاليد البلاد.

وأصدرت اللجنة العليا للمشاريع والإرث -الجهة المسؤولة عن متابعة ملف استضافة قطر لكأس العالم- عبر حسابها الرسمي على تويتر، بيانًا أكدت فيه أن منشور “قطر ترحب بكم”، لم يصدر عن جهة رسمية.

وأوضحت اللجنة أنّ المنشور يتضمن معلومات غير دقيقة، مطالبة المشجعين وزوار قطر بالاعتماد على المصادر الرسمية للحصول على أي نصائح أو معلومات تخص المونديال.

فهذان النموذجان يظهران كيف يمكن تداول القصص الكاذبة والمضللة، سواء من قبل معارضين أو مؤيدين لفكرة تنظيم البطولة في قطر. ما يوضح أن كل طرف يسعى إلى استغلال القصص بالشكل الذي يخدم أفكاره ومصالحه.

تاريخ كأس العالم مع الأخبار الزائفة.. روسيا نموذجا

خلال مونديال روسيا 2018، انتشرت العديد من القصص والأخبار الكاذبة والمضللة، التي قدمتها وسائل إعلامية من مختلف أنحاء العالم على أنها حقيقية. كان أكثرها انتشار مقطع فيديو لرجال إطفاء من كرواتيا وهم يقفزون خلال نداء إنذار قبل ثوانٍ من تسجيل اللاعب الكرواتي إيفان راكيتيتش ركلة الجزاء الحاسمة في ربع النهائي ضد روسيا، كدليل على احترافهم في العمل. لكن في الحقيقة كان المقطع تمثيليا ورسالة من رجال الإطفاء.

سجل رجال إطفاء “زغرب” الفيديو بعد يوم من المباراة ضد روسيا، ونشره قبل مباراة نصف النهائي ضد إنجلترا لتجنب الاحتفالات المفرطة والتحذير من استخدام الألعاب النارية. وكتبوا عبر حسابهم الرسمي على فيسبوك: “نلعب اليوم الدور نصف النهائي من كأس العالم. نحن لسنا: فالتريني -لقب الفريق الكرواتي الذي يشير إلى النار-، لكننا نتعامل مع النار. كن حذرا عند استخدام الألعاب النارية والمشاعل”.

ومع ذلك، فإن الرسالة الموجهة إلى بقية العالم تم تحريفها، كما لو كان مقطع فيديو في الوقت الفعلي للحظة التي كان فيها اللاعب راكيتيتش يستعد لتنفيذ ركلة الجزاء الحاسمة.

وخلال وجوده في المدرجات لتشجيع منتخب بلاده في روسيا، انتشرت إشاعة تفيد بوفاة لاعب كرة القدم الراحل دييغو أرماندو مارادونا، خلال مباراة منتخب بلاده أمام نيجيريا في ختام مباريات المجموعة الرابعة بكأس العالم 2018.

وهزت هذه الإشاعة وسائل الإعلام الرياضية ومواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يظهر ماردونا لنفي هذا الادعاء، ويؤكد أنه تعرض لوعكة صحية فقط خلال المباراة.

بعد هدف لاعب المنتخب الإنجليزي هاري ماجواير في مرمى السويد خلال مباراة ربع نهائي مونديال 2018، انتشرت تغريدة مزعومة على أن ماجواير نشرها في حسابه على تويتر قبل عامين من المونديال، اشتكى فيها من انتظاره أكثر من أربع ساعات لشراء مصباح مكتبي من شركة إيكيا السويدية، وتوعد فيها الشركة قائلا: “سأنتقم من هذا البلد في هذه الحياة أو التي تليها”.

وعلى الرغم من أن التغريدة مفبركة، ومؤرخة في حزيران/ يونيو 2016، وأن ماجوير أنشأ حسابه الرسمي على تويتر في عام 2017، إلا أن العديد من وسائل الإعلام نشرت الرواية على أنها صحيحة، وزعمت أن المدافع الإنجليزي قد انتقم من الشركة السويدية. 

مونديال قطر.. نسخة “خصبة” لانتشار التضليل

هذه النسخة من كأس العالم مختلفة عن غيرها، بسبب تسليط الضوء بشكل واسع على البلد العربي المضيف، ما قد يساهم في انتشار الإشاعات سريعا. بالإضافة إلى التوسع الكبير الذي أصبحت عليه وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي اليوم، ما يزيد احتمالية انتشار الإشاعات بشكل أوسع عن السنوات الفائتة.

تولد وسائل الإعلام والصفحات الإخبارية الرياضية حاليا، فيضا كبيرا من معلومات كرة القدم، ما يجعل من الصعب فصل الضوضاء عن الأخبار الحقيقية.

كما تتم إدارة المنصات الرقمية الرياضية من قبل أشخاص أو مشجعين آخرين، تنقصهم خبرة التحقق من أصل الأخبار. وبالتالي، يتسبب هذا النوع من قنوات الاتصال، في انتشار معلومات مضللة، لعدم وجود آلية للتحقق من أصل الأخبار قبل نشرها.

إضافة إلى أن هناك منافسة كبيرة بين وسائل الإعلام الرياضية على السبق الصحفي وإنشاء المحتوى المختلف عن الغير، ما يجعل العديد يعتمد على معلومات من مصادر ضعيفة لا يتم التحقق منها بشكل جيد.

ويعد الافتقار إلى البحث أو التشاور مع المصادر الموثوقة عنصرا آخر يتسبب في نقص المعلومات داخل الصحافة الرياضية، وعادة ما تنشر وسائل الإعلام محتوى دون بحث مسبق لدعم ما تعلن عنه.

وفي الوقت الحالي، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التضليل، وأن يكون للمعلومات الزائفة والمضللة تأثير سلبي على الجماهير.

على سبيل المثال، نشرت وسائل إعلامية مصرية في أيلول/ سبتمبر الفائت، تقارير منسوبة لصحيفة ليكيب الفرنسية أشارت إلى إمكانية مشاركة المنتخب المصري في كأس العالم قطر 2022، بدلا من منتخب الإكوادور، الذي “من المحتمل ألّا يُشارك في البطولة”.

والحقيقة أن الخبر غير صحيح، والصحيفة الفرنسية لم تذكر ذلك في تقريرها. وكان الأمر يحتاج فقط إلى العودة للموقع الرسمي للصحيفة للتأكد من الخبر، وعلى الرغم من ذلك انتشر الخبر الزائف بشكل واسع.

كما أن الأخبار المضللة وتأليف القصص التي تحتوي على إثارة، أصبحت تجارة كبيرة اليوم، إذ تسعى العديد من المنصات الرياضية إلى كسب المزيد من تفاعلات الجمهور، من خلال القصص الوهمية المؤثرة التي تستجلب عواطف الجمهور، وهي في الحقيقة، لا أصل لها.

ومثال ذلك، التصريح الزائف المنقول على لسان لاعب منتخب السنغال وفريق بايرن ميونخ الألماني، ساديو ماني. لفق المنشور تصريحا للاعب مفاده: “”لو كان منتخب الجزائر حاضرًا في كأس العالم قطر، لكنت أسعد لاعب على وجه الأرض. دائما أفتخر بالمنتخب الجزائري”.

حقق المنشور على صفحة واحدة فقط أكثر من 100 ألف تفاعل، إضافة إلى الصفحات الأخرى التي نشرت “الخبر”، فيما هو عبارة عن تصريح لا أساس له تم تأليفه بهذه الطريقة لجمع أكبر قدر من التفاعل.

كيف نحارب الأخبار الكاذبة؟

وجدت العديد من الدراسات أن نصف المعلومات الكاذبة التي تنتشر عبر الإنترنت تتم مشاركتها لأن المستخدمين لا ينتبهون لها.

في آذار/ مارس 2021، كشف تقرير صادر عن مختبر وسائل الإعلام التابع لمعهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا (MIT)، أن حوالي 50 في المئة من المشاركين البالغ عددهم 5 آلاف مشارك، قد نشروا معلومات مضللة عن غير قصد لأنهم لم يدركوا ما يشاركونه.

لذا أن من أهم العوامل لمحاربة التضليل، العمل كناقد للمعلومات. وهو أول دفاع ضد مصادر الأخبار الكاذبة والمحتوى المضلل. أي يجب أن تتحقق قبل أن تشارك، وخذ بضع ثوانٍ إضافية لإلقاء نظرة على المصدر، أو اذهب لقراءة المقال بالكامل للتأكد من أن العنوان يعكس المحتوى بدقة، وأن الموقع يتمتع بسمعة طيبة.

وبما أن الحدث الكروي العالمي بات على الأبواب، يُنصح بالرجوع إلى المصادر الرسمية المعنية بتنظيم وتغطية البطولة، للحصول على الأخبار الموثوقة.

من بين هذه المصادر: موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وحساباته الرسمية على مواقع التواصل. والمواقع الرسمية للجنة العليا للمشاريع والإرث المسؤولة عن تنظيم المونديال في قطر. بالإضافة إلى الوسائل الإعلامية الموثوقة.

أما عن الأخبار الخاصة بالمنتخبات المشاركة في المونديال، فيمكن الرجوع إلى المصادر الرسمية الخاصة بكل منتخب والحسابات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، للحصول على أهم المعلومات الموثوقة حول كل منتخب مشارك.

أنجز هذا المقال بدعم وإشراف الشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN) من أريج، بالتعاون مع منصة “مسبار“، ضمن مشروع “صح” من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية (CFI) وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD).