Skip to content

كيف تعرقل قرارات منع النشر عمل مدققي المعلومات في الأردن؟

[:ar]

حازم الطقاطقة – صحح خبرك

حظر النشر، كان ولا يزال سيفاً ذو حدين في تأثيره السلبي أو الإيجابي في انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة، والحد من قدرة مدققي/ات المعلومات على مكافحتها، وحظر النشر الرسمي الصادر عن النائب العام للمحكمة المختصة، وُجد بالأساس لحماية سرية التحقيقات وعدم إعاقتها، ومنع التأثير النفسي السلبي على القائمين على التحقيقات، فضلًا عن أنه يشكل حماية لمن ذكر اسمه في القضية المطروحة قبل أن يتم إثبات اتهامه أو براءته، ولكن ذلك يتحقق عندما يتعلق الحظر بمحاضر وعمل جهات التحقيق كما نص القانون، ولكن المطبق حالياً يمتد في الكثير من القضايا إلى حظر نشر كل ما يتعلق بالقضية، وحتى إبداء الرأي في بعض القضايا، ونشر تصحيح للأخبار المغلوطة.

وعلى الرغم من تفسير بعض المدعين العامين أن الحظر الذي أصدروه يشمل فقط مجريات التحقيق والتكييف القانوني للقضايا، يدفع هذا العديد من وسائل الإعلام إلى تجنب التطرق إلى كل ما يتعلق بالقضية، خوفاً من المساءلة القانونية في حالة لبس تفسير ما نشروه أو مسؤوليتهم عن التعليقات المرافقة للخبر، وهذا يترك فراغاً يُلاحظ في أغلب قضايا الرأي العام. فبينما تتوفر كافة المعلومات حول قضية ما في وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية، لن تجد أي خبر حولها في الإعلام المحلي، ولا يمكن أن تلقي باللوم على وسائل الإعلام المحلية لتقييدها برقابة مسبقة.

ومع صعوبة حصر ومراقبة كل ما ينشره العامة حول القضية على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل التواصل الرقمي، والتي تمثل بالأصل المصدر الأساسي للمعلومات المضللة والمزيفة، والتي تتحور مع كل مشاركة بحسب أهواء وتوجهات ناشريها، تبقى الرقابة حاضرة على وسائل الاعلام المرخصة من هيئة الإعلام الأردنية المسؤولة قانونياً عن تبليغ ومراقبة تنفيذ الحظر، لذلك فإن الحظر يمنع فقط وسائل الإعلام ومدققي المعلومات من تداول الأخبار عن القضية حتى ولو كانت موثقة بمصادر تم التأكد من صحتها أو حتى نشر وثائق متعلقة بالقضية والتي جرى العرف في الإعلام الغربي أن تصله تلك الوثائق من جهات ذات علاقة تخاف على نفسها من تسليم تلك الوثائق علناً لجهات التحقيق، فتلجأ لوسائل الإعلام المستقلة التي تضمن حماية مصادرها من كشف هويتهم بقوة القانون والعرف الصحفي والقضائي.

تلك القيود تترك قنوات نشر المعلومات المضللة والمزيفة مفتوحة، وتقفل قنوات تدقيق المعلومات أمام الإعلام المسؤول الذي يعمل على الالتزام بالقواعد المهنية للنشر في قضايا الرأي العام.

أما السند القانوني لأوامر حظر النشر فيرتكز على قانون انتهاك حرمة المحاكم وقانون المطبوعات والنشر، إذ يتضمن قانون انتهاك حرمة المحاكم خمس مواد بهذا الخصوص: المادة 11 – التأثير في سير العدالة، والمادة 12 – نشر ما جرى في الدعاوى وما منع نشره، والمادة 13 – نشر المداولات وتحريف ما جرى في الجلسات العلنية، والمادة 14 – الإذاعة عن تحقيق سري، والمادة 15 – تعريض مجرى العدالة للشك والتحقير.

ويتضمن قانون المطبوعات والنشر، في المادة 38 منه سرداً لما يُحظر نشره بشكل عام، وفي كل الأحوال، وأشارت المادة 39 من القانون تفاصيل حظر النشر في القضايا المطروحة بالمحاكم وقت انعقادها، مع إضافة بند (ج) الذي يُشير إلى شمول مراسلي وسائل الإعلام الخارجية بأحكام هذا القانون.

وعلى الرغم من المحددات القانونية لقرارات حظر النشر، فما يشعر به القطاع الإعلامي والحقوقي والشعبي الأردني أن هناك عملية توسع واستعجال في اتخاذ قرار الحظر بأي قضية بصرف النظر عن أهمية التأثير الإعلامي في مسارها، وأصبح الحظر نقطة تندر يرتكز عليها البعض في فرض “نظرية المؤامرة” على أي قضية رأي عام.

وهذا التوسع أسهم في التأثير في سمعة وتصنيف الأردن في مؤشرات الحريات عموماً وحرية الصحافة خصوصاً، إذ أصبح ابتعاد الإعلام الأردني عن نشر أي أخبار أو تحقيقات أو تحليلات عن القضايا المحلية المهمة مُحرجاً له أمام جمهوره، بينما يتناولها الإعلام الخارجي الذي يقدمها في إطار سياساته التحريرية الخاصة، التي قد تكون موجهة ومُعاد صياغتها بشكل أكثر إزعاجاً للسلطات من السماح بنشرها محلياً.

في العام 2015، باشر فريق “صحح خبرك” العمل على تحقيق صحفي في القضية الشهيرة المتعلقة بانتحار سيدتين في عمان في ظروف غامضة.

الجزء الأول من التحقيق طرح العديد من التساؤلات حول الرواية الرسمية في شأن الحادثة التي شغلت الرأي العام الأردني، نظرًا للمكانة الاجتماعية والمهنية للسيدتين.

لكن أهم ما حققه التحقيق، هو وضع حد للكثير من المعلومات الخاطئة والمضللة التي رافقت التغطية الإعلامية للقضية، وهذه هي الغاية الأساسية من التحقيق.

وبعد أيام من نشر التحقيق، وقبيل موعد نشر الجزء الثاني منه، الذي كان يهدف إلى كشف المزيد من الحقائق، صدر قرار بحظر النشر، ذُكر فيه نصاً “منع أي تحقيق صحفي”، وهو ما تسبب بتعطيل وعرقلة جهود كانت ستساعد في الحد من المعلومات الخاطئة والمضللة التي مست بالسيدتين ونالت من سمعتيهما وسمعة المحيطين بهما، وحتى يومنا هذا لا يزال الغموض يلف القضية.

أنجز هذا المقال بدعم وإشراف الشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN) من أريج وبالتعاون مع منصة “صحح خبرك/الأردن”، ضمن مشروع “صح” من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسيّة للتنمية الإعلامية (CFI) بتمويل من الوكالة الفرنسيّة للتنمية (AFD).[:]