Skip to content

الإشاعة تقتل!

[:ar]

بحر جاسم – التقنية من أجل السلام

لا يخلو عمل مدققي المعلومات من التحديات في مختلف بلاد العالم، لكن مدققي المعلومات في الدول التي تشهد نزاعات ويغيب عنها الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي يواجهون مخاطر أكبر قد تتعلق بحياتهم الشخصية وهو ما نعاني منه في العراق بصورة متزايدة. 

وربما حادثة مقتل الناشطة رهام يعقوب يشهد على ما يمكن أن يتعرض له العاملون والناشطون في مكافحة الأخبار المضللة والمزيفة. 

  رهام يعقوب كانت ناشطة مجتمع مدني ومدربة لياقة بدنية  تسعى لتغيير العادات السلوكية الخاطئة في مجال التغذية والصحة، ودفع النساء لممارسة الرياضة والحركة. وهي  من أوائل الناشطات اللاتي   شاركن  في المظاهرات العراقية للمطالبة بالخدمات والعيش الكريم للمواطن العراقي والبصري (نسبة لمدينة البصرة) بوجه خاص.  في إحدى لقاءاتها،  من وسط الاحتجاجات، تطرقت الى الاشاعات التي كانت تُطلق تزامناً مع المطالبات بتظاهرات نسوية في البصرة وبينت امتعاضها من الفعل الذي يهدف الى تخويف وردع المواطنين من الخروج بالمظاهرات.

لم تقتصر الأخبار المضللة على تخويف وردع المواطنين، بل طالت هذه الحملات امن وسلامة الوجوه البارزة في الاحتجاجات ومن ضمنها رهام يعقوب وما تم نشره من معلومات مضللة تهاجمها بشكل شخصي على وكالة مهر للأنباء الإيرانية في الثالث عشر من أيلول/سبتمبر ٢٠١٨ بعنواندور القنصلية الامريكية في البصرة في تحريك الشارع العراقي” والتحريض بمحتوى التقرير المضلل كان واضحاً من قبل الوكالة حيث تضمن المحتوى ” طبعاً هذه اللقاءات هي في العرف الدبلوماسي جزء من مهام القنصليات إلا أن الحقيقة كانت عبارة عن فرص للحصول على نفوذ أكبر، ووفقاً للمعلومات المتوفرة على شبكة الإنترنت  فإن  بعض الأشخاص مثل “علي نجيم” و “هشام أحمد” و “رهام يعقوب” تم استقطابهم من قبل القنصلية الامريكية في البصرة، حيث بدأوا العمل على تشكيل شبكة واقعية لتنفيذ مصالح أمريكا”. 

وعلى الرغم من توقف يعقوب  عن المشاركة في المظاهرات بسبب تلقيها تهديدات مباشرة في عام 2018، ، بالإضافة الى الجهود المكثفة من قبل مدققي/ات المعلومات لتصحيح المعلومات الكاذبة ومحاولة الحفاظ على حياتها، لكن للأسف تم اغتيالها يوم 19 آب 2020، بعمر الثلاثين، برصاص مسلح ملثم أطلق النار عليها من على دراجة نارية، عندما كانت داخل سيارتها في مدينة البصرة. 

تثير هذه الحادثة المفجعة مخاوف الكثيرين من العاملين في مجال تدقيق المعلومات، لكنها تبرز أيضا أهمية عملهم في محاربة حملات خطاب الكراهية ونشر المعلومات المضللة وخلق  حالة وعي جمعي بين الجمهور للتشكيك بالمعلومة التي لا تستند إلى مصدر، وإيجاد المصادر الموثوقة لاعتماد أي معلومات مهما كانت صغيرة. 

نشهد اليوم انتشارا واسعا على  وسائل التواصل الاجتماعي وعبر مناصريها الأخبار المضللة التي تتسبب في إثارة القلق والبلبلة وسط المجتمع وتنشر الكراهية وتهدد سلامة الكثيرين بما في ذلك الصحفيين/ات والناشطين/ات عبر التحريض المستمر وايضا مدققي/ات المعلومات، وذلك لعملهم في التحقيق وتصحيح المعلومات المضللة وتوضيحها للجمهور هو ما يتعارض مع مصالح المضللين بشكل مباشر، و بلد يشبه حال العراق بالانفلات الأمني وانتشار المظاهر المسلحة، قد يشكل تهديدا مباشرا على المدققين. 

مع ذلك، فإن ازدياد المخاطر يعني زيادة مطردة لأهمية  الدور الذي يقوم به  مدققو/ات المعلومات في الكشف والتحقق من الادعاءات التي تنشر على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركتها مع الجمهور.  كما يعني ضرورة أن لا تقتصر  الجهود على التحقق والنشر، بل تشمل بذل الجهود في التعليم بعد خلق حالة وعي جماهيرية على محاربة الأخبار المضللة والكاذبة، والتواصل الدائم مع المؤسسات الإعلامية لبناء وحدات تحقق من الأخبار المزيفة بشكل عام، والتركيز على تدقيق جميع ما ينشر ويُذاع ويُكتب في المؤسسات الإعلامية مع المصادر والأدلة المكشوفة لغرض الاستدلال وإعطاء مساحة للجمهور للتأكد، وزيادة الثقة في الإعلام، حيث تساهم هذه المبادرات بتوحيد صفوف الجمهور بمختلف معتقداتهم للوقوف بصف الحقيقة الواضحة والشفافة وغلق فجوة الجدال التي يرتكز عليها المضللون. 

يحتاج هذا التغيير إلى وقت، لا أعتقد أنه بقصير. لكنني أود ، وبالتزامن مع اليوم العالمي لتدقيق المعلومات، دعوة جميع الزملاء والزميلات في مجال تدقيق المعلومات لبذل المزيد من الجهود لتدقيق المعلومات وفق آليات واضحة تكشف الحملات المضللة وتزيد من ثقة الجمهور بعملنا ومن وعيه بأهمية التحقق وتحويله إلى ممارسة وثقافة  نمارسها جميعا لبناء مجتمعات متماسكة في ظل ظروف وأوضاع غير مستقرة. 

ويحتاج التغيير أيضا الى تركيز الإعلام على آليات عمل مدققي/ات المعلومات بالتالي ينعكس في رسم صورة إيجابية للجمهور لإعادة الثقة في الإعلام المحايد. 

أنجز هذا المقال بدعم وإشراف الشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN) من أريج وبالتعاون مع منصة “التقنية من أجل السلام/العراق”، ضمن مشروع “صح” من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسيّة للتنمية الإعلامية (CFI) بتمويل من الوكالة الفرنسيّة للتنمية (AFD).

 [:]