سجى مرتضى
شهدت العاصمة الكورية الجنوبية سيؤول، في الفترة من 28-30 حزيران/يونيو 2023، انعقاد مؤتمر Global Fact 10، وهو المؤتمر العاشر للشبكة الدولية لتدقيق المعلومات (IFCN)، الذي جمع نحو 500 مدقق/ ة معلومات ومتخصصين/ ات وداعمين/ ات للمجال.
تناول المؤتمر، في عشرات الجلسات -التي غطت محاور مختلفة، تنوعت بين واقع وتحديات تدقيق المعلومات في العالم- دور شركات التكنولوجيا الكبرى، والذكاء الاصطناعي، والتربية الإعلامية، والجهود البحثية في مجال اضطراب المعلومات.
يشكل هذا الملتقى السنوي، فرصة ثمينة لعقد الاجتماعات والنقاشات بين مدققي/ ات المعلومات والخبراء من مختلف أنحاء العالم؛ للتعرف على أحدث التطورات في مجال تدقيق المعلومات، وتعزيز الصحافة الشفافة والموثوقة؛ كما يعزز التعاون وتوحيد الجهود، لمحاربة اضطراب المعلومات، كل من مكانه وبلده ودوره.
وأظهرت النقاشات فرص التعاون بين مدققي/ ات المعلومات وبعضهم البعض، وبين الشبكات الإقليمية لتدقيق المعلومات، وبين مؤسسات تدقيق المعلومات وشركات التكنولوجيا الكبرى، بالإضافة إلى فرص التعاون مع الجهات البحثية في المجال.
الشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN) من أريج حضرت المؤتمر، وعادت بهذه الخلاصات المتعلقة بالتعاون!
الشبكات الإقليمية لتدقيق المعلومات… تعاون لمواجهة التحديات
خلال ندوة “الدور الصاعد والمؤثر لشبكات تدقيق المعلومات الإقليمية”، التي نُظّمت خلال مؤتمر Global Fact 10، تحدثت كل من مديرة الشبكة العربية لمدققي المعلومات سجى مرتضى، وكلارا كروز من الشبكة الأوروبية لتدقيق المعلومات EFCSN، وبابلو فيرنانديز من LatamChequea في أميركا اللاتينية، وكارولين انيبا من الشبكة الإفريقية لتدقيق المعلومات Africa Facts، عن كيف يمكن للشبكات الإقليمية حول العالم التعاون مع بعضها البعض؛ لتطوير عمل مؤسسات تدقيق المعلومات، ومواجهة التحديات المشتركة التي تعرقل عملها.
ورغم اختلاف التحديات بين إقليم وآخر، إلا أن الأقاليم المختلفة تواجه تحديات مشابهة؛ أبرزها التحديات المالية، والتحديات القانونية، والتعرض للمضايقات، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى المعلومات والبيانات أحياناً.
قالت كروز خلال الجلسة: “نحن جميعاً نهتم بالمناطق التي تغطيها شبكاتنا، ونفهم التحديات والعقبات الموجودة فيها. يجب علينا جميعا مشاركة هذه الأفكار والتحديات مع الشبكة الدولية لتدقيق المعلومات، لنتعاون على حلها”. من جهته شدد فرنانديز قائلاً: “عندما تتطور مؤسسات تدقيق المعلومات التي تعمل معنا، نتطور نحن في LatamChequea، وهذا ما يحدث أيضاً في مناطق أخرى حول العالم. يجب علينا دائماً التركيز على الجودة، فهي الأهم”.
وبينما تناولت مرتضى جهود التعاون بين الشبكات المختلفة، ركزت أنيبا على أن “Africa Facts لا تحاول الاستيلاء على عمل IFCN؛ بل تحاول التقرب أكثر من مؤسسات تدقيق المعلومات في إفريقيا، لفهم احتياجاتهم وكيف يمكنهم التقدم ليصبحوا منتسبين إلى IFCN”.
ندرك جيداً، أن كل شبكة تدقيق معلومات، تقدم خبرات وتجارب فريدة، من خلال خلاصة تجربتها. لكن من خلال التعاون وتبادل المعرفة، يمكننا الاستفادة من الحكمة الجماعية للمجتمع؛ لمعالجة المعلومات المضللة بشكل أكثر فعالية. وهذا يشمل تبادل منهجيات تدقيق المعلومات والأدوات، بالإضافة إلى مناقشة التحديات والدروس المستفادة. من خلال هذا التعاون، يمكن لمدققي المعلومات تحسين ممارساتهم باستمرار، والبقاء في طليعة مكافحة المعلومات الخاطئة والمضللة.
بيتر كونليف جونز، أحد مؤسسي IFCN و Africa Facts، والخبير في مجال اضطراب وتدقيق المعلومات، اختصر هذا التعاون بالقول: “هناك العديد من القواسم المشتركة والاختلافات أيضاً بين الشبكات الإقليمية، ولكي تكون فعالة، من المهم أن تعكس هذه الشبكات ذلك. الأمر الرائع هو أن نرى كيف يحاول الجميع القيام بذلك مع الالتزام بمبادئ IFCN الخاصة الشفافية وعدم التحيز أيضاً”.
الطريق الأول للتعاون: أن نتعلم من تجارب غيرنا!
أهم ما قدمه مؤتمر Global Fact 10، وما يقدمه التعاون بين المؤسسات المختلفة، هو التعلم من غيرنا؛ من تجاربه، أخطائه، والسياق الذي يعمل فيه. تعلمنا مثلاً من التجربة الكورية في تدقيق المعلومات، أنه يجب أن يكون تدقيق المعلومات جزءاً مهماً من مسار عمل المؤسسات الإعلامية؛ ولذلك تعمل الشبكة العربية لمدققي المعلومات على إدخال مفهوم تدقيق المعلومات إلى المؤسسات الإعلامية العربية. تعلمنا أيضاً، أن التعاون بين مؤسسات تدقيق المعلومات في البلد نفسه، هو أساسي في محاربة التضليل، مع ضمان المنافسة الشريفة. كما تأكد لنا أنه من الضروري أيضاً، أن نقدم سياقاً ومساراً لتدقيق المعلومات بأسلوب يفهمه “الشباب”، وهم أكثر من يستخدم اليوم مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثر من قد يكون عرضة للتضليل.
نتعلم أيضاً من بعضنا البعض، أهمية تعزيز التربية الإعلامية، واستهداف الشباب، خاصة لتنمية الحس النقدي لديهم، وكيفية التعامل مع وسائل الإعلام والمحتوى الذي تقدمه. في GlobalFact10، تعلمنا من العديد من مبادرات التربية الإعلامية، كالتي أطلقتها Lupa في البرازيل وMaldita في إسبانيا، أن البيانات مهمة جداً في عمليات تدقيق المعلومات، وأهمية التركيز على الأخبار المحلية، بالإضافة إلى التركيز على مجابهة التحرش الرقمي بالمراهقين/ ات عند نشر محتواهم/ ن. ومن أبرز ما تعلمناه أيضاً، كان من تجربة Verafiles في الفيليبين، حول كيفية استخدام تقنية “التلعيب” في التدريبات المرتبطة بتدقيق المعلومات.
ومن أهم النصائح التي تعلمناها ونقدمها لكل مؤسسات تدقيق المعلومات حول العالم: لنتعاون معاً لحماية بياناتنا واستخدامها بشكل فعال؛ لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي تُسهل عملية تدقيق المعلومات.
شركات التكنولوجيا الكبرى وأهمية تعاونها مع مؤسسات وشبكات تدقيق المعلومات!
أصبحت شركات التكنولوجيا الكبرى على دراية بالتأثير الضار للمعلومات الخاطئة والمضللة في منصاتها وفي ثقة مستخدميها. واستجابةً لذلك، تظهر مؤخراً اهتماماً متزايداً بالتعاون مع مدققي/ ات المعلومات لمواجهة هذه المشكلة بفعالية. وقد تمت مناقشة ذلك خلال عدة جلسات في GlobalFact10، حضرتها غوغل، يوتيوت، ميتا وتيك توك.
يمكن أن يتضمن التعاون بين مدققي/ ات المعلومات وشركات التكنولوجيا عدة جوانب: أولاً من خلال التعاون والعمل المشترك، يمكن للطرفين أن يستغلوا خبراتهم المتبادلة لوضع استراتيجيات تعمل على مكافحة انتشار المعلومات الكاذبة، وتعزيز نشر المحتوى الدقيق. ثانياً، يمكن لمؤسسات تدقيق المعلومات أن تقدم رؤى قيمة وخبرات في التعرف على المعلومات الخاطئة وكشفها؛ ما يساعد شركات التكنولوجيا على تحسين خوارزمياتها وأنظمة مراقبة المحتوى الخاصة بها. يمكن أن يسهم هذا التعاون في مساعدة شركات التكنولوجيا على تعزيز قدرات منصاتها في اكتشاف المعلومات المضللة، وبالتالي تقليل نطاق انتشارها وتأثيرها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمدققي/ ات المعلومات أن يسهموا في وضع سياسات وإرشادات تنظم المحتوى على منصات التكنولوجيا. من خلال مشاركة معرفتهم وخبراتهم، يمكنهم مساعدة شركات التكنولوجيا في إنشاء إطارات قوية؛ لتعزيز الشفافية والدقة والمساءلة في المعلومات المشتركة عبر الإنترنت. يمكن أن تسهم هذه الشراكة أيضاً في تعزيز بيئة إنترنت مسؤولة أكثر، تمكن المستخدمين/ ات من اتخاذ قرارات مستنيرة، بناءً على معلومات موثوقة.
بهذه الروح التعاونية والجهود المشتركة التي برزت في Global Fact 10، يمكننا أن نطمح إلى عالم يتمتع بمستوى أعلى من الشفافية والصدق والموضوعية في نقل المعلومات. إذا استمرت جهودنا في هذا الاتجاه، فإننا سنتجاوز الكثير من التحديات التي تواجهنا، وتحاول عرقلة عملنا في تدقيق المعلومات.