[:ar]
فاطمة بني أحمد – مدققة معلومات مستقلة – الأردن
لم يفاجئني خبر تراجع ثقة الجمهور بوسائل الإعلام وحصولها على ثاني أسوأ نسبة ثقة بعد المنظمات الحكومية في عام 2021 ب، بحسب موقع Statista، إذ أنني لامست بنفسي وخلال عملي كمدققة للمعلومات الكثير من الممارسات التي تتعارض تماماً مع أخلاقيات العمل الصحفي والتي تتمحور في أغلبها في السرعة في النشر دون تدقيق وتقصي دقيق للمعلومات ومصادرها.
وعلى الرغم من كون المنطقة العربية بيئة خصبة لانتشار الأخبار الكاذبة المفبركة والمعلومات المضللة، نتيجة لتوتر الأجواء السياسية والأمنية والاقتصادية في العديد من الدول كلبنان وسوريا وفلسطين والعراق واليمن، فإننا لم نشهد وجود مبادرات من قبل مؤسسات إعلامية عربية كبيرة تدعم وتعزز انتشار ثقافة تدقيق المعلومات قبل النشر. في المقابل، كان هناك ظهور للعديد من مبادرات/مؤسسات تدقيق معلومات دون تعاون بين أغلبها وبين المؤسسات الصحفية.
لذلك وكمدققة معلومات، أعتقد أن هناك حاجة ملحة لجعل الصحفيين/ت أنفسِهم/ن رقباء على المحتوى الذين يقومون بإعداده ونشره من خلال تدريبهم/ن على تدقيق المعلومات كخطوة أولى تسهم في توسيع انتشار ثقافة تدقيق المعلومات ما قبل النشر في المؤسسات الإعلامية وربما لاحقًا التشجيع على إيجاد قسم خاص للتدقيق كما في المؤسسات الإعلامية الدولية: واشنطن بوست، نيويورك تايمز، رويترز، ووكالة فرانس برس، أو من خلال الاستعانة بمنصات مستقلة مختصة في تدقيق المعلومات.
بالطبع، لا يبدو تحقيق ذلك سهلاً. إذ لا يرحب كثيرون من الصحفيين/ات بفكرة تدقيق محتواهم/ن لأن هذا يجعلهم/ن يشعرون وكأنهم/ن في موضع شك أو اتهام بتزييف المعلومات أو المصادر. ويعتقد البعض أنه يقوم بالمهمة خلال عمله، وبالتالي فإن القيام بالمزيد من التدقيق يتطلب وقتًا إضافيًا يؤخر ويعطل النشر السريع. يتسبب ذلك في توتر العلاقة بين بعض الصحفيين/ات ومدققي/ات المعلومات.
شخصيًا، وخلال عملي في التدقيق ما قبل النشر التقيت بصحفيين/ات يحسنون التلاعب باللغة مما يضعنا في مواجهة مستمرة معهم، فنحن نبحث عن الوضوح والدقة والبعض يفضل المواربة في تقديم المعلومات وأحيانًا إخفاء مصادرها سهوًا دون تركيز. نتج عن ذلك وضعي في “مواجهات” مباشرة مع البعض وأدخلني في نقاشات طويلة بدت أحيانًا عقيمة بالنسبة لي لاختلاف المنظور الذي ينظر كل منا من خلاله للقصة. من جهتي فإنني أصنف الصحفي/ة غير المهني/ة بشكل ما أحد أهم الأسباب في انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة التي قمت سابقًا بالتحقق منها وهذا ملموس خاصة على صفحات العديد من الصحفيين/ات على مواقع التواصل الاجتماعي”
مع ذلك، أعتقد أن العلاقة بين الصحفي/ة ومدقق/ة المعلومات يجب أن تكون علاقة تكاملية وليس تنافسية، لأن الهدف الأساسي لكلاهما في النهاية، هو خدمة الجمهور عبر تقديم معلومة دقيقة ومفيدة.
يرصد الصحفي/ة الخبر ويتتبعه ويبحث عن الأدلة، أما مدقق/ة المعلومات هو الذي يتحقق من صحة الخبر ومدى صحة الأدلة. إذاً فإنهما يتشاركان الهدف ذاته وهو إيصال المعلومات التي لا تحمل الشك بنفيها أو تأكيدها، ومن هنا يتبين لنا أهمية ودور كل منهما، فلا معلومات لتدقيقها دون صحفي ولا تأكيد لصحة وحقيقة هذه المعلومات دون مدقق.
هنا طبعًا نتحدث عن الصحفي المهني بصفته الوسيط الممقتدر للحصول على المعلومات الصحيحة ولحرصه على إيصالها للمتلقي بدقة، فعندما يتواجد في أرض الحدث ويقوم بتغطيته بمهنية ويستعرض الآراء من خبراء أو من الجهات المعنية حوله، كل هذا التنوع يساعد المدقق أكثر في تأكيد أو نفي الحقيقة التي يحاول أن ينقلها الصحفي للجمهور.
إن العمل بروح الفريق ضروري جدًا لكسر أي مخاوف أو أفكار مسبقة لدى كل من الصحفي/ة ومدقق/ة المعلومات، خاصة في ظل هدف أساسي متفق عليه وهو خدمة الجمهور من خلال تقديم أخبار ومعلومات دقيقة. وعليه تكون أسئلة المدقق/ة للصحفي/ة ليس هدفها التشكيك بالمصداقية ولا تقليل الجهود المبذولة في جمع المعلومات ولكن الحرص على تجنب الوقوع بالخطأ غير المقصود والسعي للالتزام بأخلاقيات الصحافة وقواعدها “المهنية”.
عزيزي الصحفي، نحن في مركب واحد، دعنا لا نتنازع على إدارته بل نتعاون معًا لتزويد المجتمع بمعلومات صحيحة ومدققة، تواجه التضليل.
أنجز هذا المقال بدعم وإشراف الشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN) من أريج وبالتعاون مع فاطمة بني أحمد”مدققة معلومات مستقلة/الأردن”، ضمن مشروع “صح” من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسيّة للتنمية الإعلامية (CFI) بتمويل من الوكالة الفرنسيّة للتنمية (AFD).
[:]